Header Ads

Header ADS

موحا أوحمو الزياني


محمد بن حمو (أو حمو) الزياني يعد أحد أبرز رموز المقاومة المغربية في التاريخ الحديث. عُرف بشجاعته وبسالته في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وخاصة في معركة الهري الشهيرة، التي ألحق خلالها خسائر فادحة بجيش الاحتلال قرب مدينة خنيفرة في الأطلس المتوسط سنة 1332 هـ (1914 م). كانت المعركة نتيجة حصار محكم فرضه الفرنسيون على مخيمه بهدف القضاء عليه نهائياً. استشهد القائد الزياني في رجب 1339 هـ (1921 م) خلال معركة أخرى ضد الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال بويميرو، وذلك عن عمر ناهز الثمانين عاماً، بعد حياة حافلة بالنضال والمقاومة.

النشأة في عائلة الزعامة

هو محمد بن حمو بن عقى بن أحمد أو المدعو أمحزون بن موسى، وُلد في عائلة أمحزون الأمازيغية التي تنتمي إلى قبيلة آيت حركات، وهي جزء من قبائل زيان المعروفة في الأطلس المتوسط. امتدت أصول عائلته إلى منطقة البرج، حيث كانت آيت حركات تعيش من تربية الماشية وجمع رسوم العبور من قنطرة البرج، التي كانت تستخدم من قبل القبائل المتنقلة بين الجبال وسهول الأطلس.

كان والد موحا، حمو نعقى، أحد قادة قبيلة آيت حركات البارزين (أمغار القبيلة)، واستطاع أن يوسع نفوذ عشيرته عبر السيطرة على قرية خنيفرة بعد تراجع أهمية قرية البرج في نهاية القرن التاسع عشر. قاد والد موحا عشيرته في معارك قوية ضد قبائل آيت عفي لطردهم من خنيفرة والسيطرة عليها. نتيجةً لذلك، أصبحت خنيفرة مركزًا تجاريًا وعسكريًا هامًا، وعمل حمو نعقى على بناء قصبة (حصن) كانت رمزًا لقوته وسيطرته، ما ساعده على إخضاع بعض القبائل الزيانية الأخرى.

زعامة التحالف 

كان موحا الابن الأصغر لحمو نعقى. تولى الزعامة بشكل مفاجئ بعد وفاة شقيقه الأكبر سعيد في معركة ضد قبائل إشقيرن، الجيران الجنوبيين. وفق تقاليد قبائل زيان، كان من الضروري أن يتم اختيار الأمغار (زعيم التحالف) من قبيلة آيت حركات. ورغم صغر سن موحا، تم تعيينه أمغارًا للتحالف.

لم تكن القبائل الأخرى ضمن تحالف زيان راضية عن تعيين موحا أوحمو زعيمًا عليها، معتبرةً أنه صغير السن وغير مؤهل لقيادتها. أدى ذلك إلى انشقاق القبائل عن التحالف واستقلالها مجددًا، مما قلّص نفوذ موحا ليقتصر على قبيلته آيت حركات. ومع ذلك، استغل موحا هذا الوضع لتوطيد سلطته داخل عشيرته أولًا، حيث أظهر حسًا سياسيًا وعسكريًا عاليًا ساعده في توحيد القبيلة وتنظيمها.

رغم التحديات التي واجهها، استطاع موحا أوحمو تعزيز سلطته عبر قيادته للعمليات العسكرية ضد أعداء عشيرته. فهم مبكرًا أنه بحاجة إلى شرعية أقوى ليبقى في منصب الزعامة، خاصة أن التحالفات القبلية قد تنفض في أي لحظة. لذلك، اتجه إلى التحالف مع السلطان الحسن الأول، سلطان الدولة العلوية، لضمان دعم مركزي يعزز موقعه كزعيم شرعي ليس فقط لقبيلته، ولكن لتحالف زيان بأكمله.
كانت مهمة الأمغار في قبائل زيان تطوعية وغير مدفوعة الأجر، يتولاها أعيان القبيلة بالتناوب. ومع ذلك، وفي ظل حالة الحرب مع قبائل إشقيرن، أصبح موحا زعيمًا دائمًا لجماعته وقائدًا للمعارك. تمكن من تحييد منافسيه داخل العشيرة، بما في ذلك أبناء عمومته، مما ساعده على بناء قاعدة صلبة لقيادته، وأثبت أنه قادر على فرض النظام والهيبة داخل القبيلة.

القائد المخزني

بعد هزيمتي إسلي سنة 1844 أمام فرنسا وتطوان سنة 1860 أمام إسبانيا، دخل المغرب في مرحلة من الضعف الدولي وفقدان هيبته، مما جعله عرضة لأطماع القوى الاستعمارية. تأزم الوضع الداخلي بفقدان المخزن لمداخيله الجمركية لصالح الدول المنتصرة، إضافة إلى تهرب بعض القبائل من أداء الضرائب، وانتشار ظاهرة المحميين المعفيين من الالتزامات المالية. وفي ظل هذه الظروف، بات من الضروري على المخزن توحيد البلاد لكبح التمردات ومواجهة الأطماع الخارجية، مما دفع السلطان مولاي الحسن إلى استثمار خبرة موحا أوحمو الزياني في كسر شوكة القبائل المتمردة في الأطلس المتوسط.

في عام 1886، عين السلطان مولاي الحسن موحا أوحمو قائداً على زيان، وزوده بفرقة عسكرية قوامها ثلاثمائة جندي وثلاثة مدافع. أصبح موحا ممثلاً للسلطان والمخزن، يمارس سلطته باسم الشرعية المستمدة من العرش، حيث أعلن الحروب على المتمردين وجبى الضرائب لصالح الدولة.

استغل القائد موحا أوحمو القوات المخزنية في توسيع نفوذه ببلاد زيان، حيث تمكن من إخضاع القبائل المناهضة له مثل آيت خويا، وآيت بوهو، وآيت شارظ في ضواحي خنيفرة، وفرض سيطرته على آيت بوحماد غرب خنيفرة. كما تغلب على القائد أقبلي الذي كان مكلفاً بقيادة قبيلة آيت سكوكو (زيان الشماليين)، وجعل منه تابعاً له، مما أدى إلى تحقيق السيطرة الكاملة على قبائل زيان.

بعد إحكام قبضته على زيان، وسّع موحا أوحمو نطاق نفوذه إلى القبائل المجاورة. واجه قبائل الجنوب مثل إشقيرن وآيت سخمان، حيث هدم مداشرهم وأجبرهم على الخضوع. ثم انتقل إلى الشمال ليشتبك مع الشريف مولاي عبد الواحد الأمراني، الذي كان يتمتع بنفوذ واسع في مناطق عدة من المغرب الأوسط، شملت قبائل مثل بني مكيلد الغربية، وكروان الشرقية، وآيت عمرو، وآيت عبد الله، وآيت رحو.
في منطقة مريرت، تمكن موحا من إلحاق الهزيمة بالشريف الذي تراجع إلى مركزه بأمسمرير (ناحية ولماس). استمرت المعارك حتى تمكن موحا من القضاء عليه بعد إصابته برصاصة قاتلة، مما أدى إلى تشتت أتباع الشريف وفرارهم.

موحا أوحمو : مستشار للسلطان 

برز موحا أوحمو الزياني في بلاط السلطان الحسن الأول بعد مشاركته في حملة عسكرية ضد قبائل أيت سخمان سنة 1887، حيث أثبت بُعد نظره عندما حذّر من غدر تلك القبائل بالأمير مولاي سرور. نتيجة لذلك، نال ثقة السلطان وأصبح مستشاراً في شؤون الأطلس المتوسط، مع تفويضه بتعيين القواد على القبائل في المنطقة.

بفضل دعم المخزن، توسّع نفوذ القائد ليشمل مناطق واسعة تمتد من خنيفرة إلى ولماس وأزرو، ومن قبائل زيان إلى أيت يوسي وأيت ويرا. كما استثمر زياراته للسلطان، مثل زيارته لفاس سنة 1889، لتعزيز علاقاته مع التجار والحرفيين، ودعاهم للاستقرار في خنيفرة، مما ساهم في تنمية المنطقة.

عقب وفاة السلطان الحسن الأول سنة 1894 خلال حملة تأديبية بجبال الأطلس، تولى الحكم ابنه السلطان عبد العزيز، لكنه كان صغير السن وغير مؤهل للقيادة، مما سمح للصدر الأعظم باحماد بالسيطرة على الحكم. في ظل هذا الوضع، تزايدت الضغوط الاستعمارية من قوى أوروبية كفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، التي سعت لتقسيم المغرب. وصلت الأمور إلى ذروتها مع مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906، وانتهت بتوقيع معاهدة الحماية في فاس سنة 1912.

موحا أوحمو ومقاومة السهول

بدأت مقاومة موحا أوحمو الزياني للوجود الفرنسي في المغرب بشكل واضح منذ العقد الأول من القرن العشرين، حيث استجاب سريعًا لاحتلال الدار البيضاء سنة 1907، وقاد قواته من زيان لدعم قبائل الشاوية في مواجهة الغزو. ورغم عودته إلى الأطلس المتوسط، خاض معارك حاسمة في سهول سايس ضد الفرنسيين، أبرزها معارك تافودايت، أكوراي، الزحيلكة، إيفران، ووارغوس.

تميز موحا أوحمو بقدرته على استقطاب المقاتلين الرافضين للاستسلام من قبائل مختلفة، مثل زمور وزعير وكروان، الذين التحقوا بمقاومة زيان. واعتبر الفرنسيون منطقة زيان معقلًا للمقاومة يشكّل خطرًا دائمًا على وجودهم بالمغرب، ما دفعهم لمحاولة احتلال الأطلس المتوسط لتفكيك التحالفات القبلية وإضعاف المقاومة.

ورغم تفوق فرنسا عسكريًا، ألحق المقاومون خسائر فادحة بالمستعمرين، كما حدث في معركة القصيبة سنة 1913. وبعد تراجع القوات الفرنسية إلى تادلا، تركزت جهود موحا أوحمو على توحيد القبائل الأمازيغية وتشكيل جيش منظم استمر في مواجهة المحتل، مما أجبر الفرنسيين على حشد قوة هائلة لإخضاع المناطق الجبلية

موحا أوحمو ومعركة لهري

رغم محاولات الفرنسيين إغراء موحا أوحمو بالاستسلام، بدءًا من جهود الجنرال هنريس وحتى تدخلات ليوطي باستخدام شخصيات مخزنية مرموقة، رفض القائد الزياني جميع العروض، متمسكًا بموقفه الرافض للاحتلال ومشروع الحماية. وكان رده الحاسم: "لن أرى مسيحيا إلا من خلال فوهة بندقيتي وأصبعي على زناد الرمي."

أمام إصراره، شنت القوات الفرنسية حرب إبادة على قبائل زيان بقيادة الكولونيل هنريس، متكبدة خسائر كبيرة في معارك عديدة مثل معركة أقلال، تكط، وتازورت موخبو. لكن الانتصار الأبرز لموحا أوحمو كان في معركة لهري (13 نوفمبر 1914)، التي شكلت هزيمة مدوية للجيش الفرنسي.

في هذه المعركة، تمكن موحا أوحمو من القضاء على جيش الكولونيل لوفيردير، مدمراً قوته العسكرية بالكامل. أسفرت المعركة عن مقتل 613 جنديًا فرنسيًا، منهم 33 ضابطًا، إلى جانب عدد كبير من الجرحى، بينما غنم المقاومون الأمازيغيون جميع المدافع والرشاشات والذخائر. وصف الجنرال كيوم هذه الهزيمة بأنها الأسوأ في تاريخ فرنسا بشمال إفريقيا، مؤكدًا على بسالة وتماسك مقاتلي زيان وقدرتهم الفائقة على المخاتلة وسرعة الحركة.

مثل هذا الانتصار صدمة عميقة للفرنسيين الذين حاولوا التعتيم على الخبر، خوفًا من التأثير السلبي على معنويات جنودهم، خاصة في ظل مشاركتهم بالحرب العالمية الأولى. ولكن رغم ذلك، تركت معركة لهري صدى عظيمًا في تاريخ المقاومة المغربية، كرمز للشجاعة والصمود ضد المستعمر.

كان لمعركة الهري صدى واسع تعدى الحدود المغربية، ليبرز اسم القائد موحا أوحمو الزياني كرمز للمقاومة، ليس فقط على الصعيد المحلي بل الدولي. خلال الحرب العالمية الأولى عام 1914، أثارت الهزيمة الفرنسية في هذه المعركة اهتمام دول المحور، خاصة ألمانيا والدولة العثمانية.

لإقامة صلة مع القائد الزياني، أرسلت هذه القوى وفدًا متنكرًا في هيئة تجار، وصل إلى مقر القائد في بوسادر، وسلمه خطابًا وأموالًا. عززت الرسالة حماس القائد ورجاله، إذ تضمنت وعدًا من الإمبراطور الألماني والسلطان العثماني بتقديم الدعم العسكري والمالي لمساعدته في مواجهة الاحتلال الفرنسي.

ردًا على هذا التواصل، بعث موحا أوحمو برسالة يؤكد فيها موقفه الثابت ضد المستعمرين، ويعلن ولاءه للإسلام وحلفائه،  قائلاً:"إننا لا نرضخ لعدو ديننا وعدو نبينا، ولا تتراءى معه أعيننا، فليطمئن خليفة الإسلام وقائد الألمان."، مما عزز صورته كقائد صلب في وجه القوى الاستعمارية.

استشهاد القائد

استمر موحا أوحمو الزياني في مقاومته ضد المستعمر الفرنسي، يقاتل في سهول خنيفرة وعلى ضفاف نهر أم الربيع حتى استشهد في معركة أزلاك نتزمورت بجبل تاوجكالت يوم 27 مارس 1921. كانت المعركة طويلة الأمد وشديدة الوطأة، حيث أظهر موحا شجاعة استثنائية، يقاتل دون تردد حتى نال الشهادة التي كان يتطلع إليها طيلة حياته.

جسد موحا في معاركه رمزية التضحية والفداء، حيث قاتل دفاعًا عن أهله وماله ودينه، واستشهد بشجاعة وهو يواجه العدو مباشرة. كان لاستشهاده أثر عميق على أهله وقبيلته، إذ ناحت النساء حزنًا عليه، ومنهن ابنته إيطو التي قاتلت بشجاعة إلى جانبه حتى استشهدت، مؤكدة أن المرأة المغربية لا تقل قوة أو عزيمة عن الرجال.

دخلت معركة لهري التاريخ كواحدة من أبرز إنجازات المقاومة المغربية، إذ قدمت قبائل زيان بقيادة موحا أوحمو درسًا خالدًا في الكفاح والصمود ضد الاستعمار، ليظل اسمهم محفورًا في ذاكرة النضال الوطني.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.