Header Ads

Header ADS

المسجد الأقصى

 

المسجد الأقصى: بناؤه وتاريخه

المسجد الأقصى هو أحد أكبر وأهم المساجد في العالم الإسلامي، وهو من المساجد الثلاثة التي يُشدّ المسلمون الرحال إليها، كما ورد في حديث النبي محمد ﷺ: "لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلَّا إلى ثلاثةِ مساجدَ: المسجدِ الحرامِ، ومسجدي هذا، والمسجدِ الأقصى" (رواه البخاري ومسلم). كما أنه هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. أُسري برسول الله ﷺ إليه في رحلة الإسراء والمعراج، مما يجعله.يتمتع بمكانة دينية وتاريخية بارزة في الإسلام.

أصل التسمية

للمسجد الأقصى أسماء عديدة، أبرزها:

  1. المسجد الأقصى: يشير إلى البُعد الجغرافي عن المسجد الحرام في مكة. ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في سورة الإسراء: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ".
  2. البيت المقدّس: يشير إلى الطهارة والبركة، وهو اسم متداول بين المسلمين في كتب الفقه والشعر.
  3. بيت المقدس: كان الاسم الشائع قبل الإسلام، وورد في عدة أحاديث نبوية.

موقعه الجغرافي ومكوناته

يقع المسجد الأقصى في الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة في القدس، ويشغل مساحة تُقدر بـ144,000 متر مربع. وهو كامل المنطقة المحاطة بالسور واسم لكل ما هو داخل سور المسجد الأقصى الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من البلدة القديمة المسورة ويحتوي على ساحات خضراء ومرافق دينية تُبرز التراث الإسلامي.

يتألف المسجد الأقصى من مجموعة معالم تاريخية ودينية تتجاوز 200 معلم، أهمها:
  • قبة الصخرة: تقع في وسط المسجد، بُنيت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وتعد تحفة معمارية إسلامية.
  • المسجد القبلي: يقع في الجهة الجنوبية ويستخدم للصلاة.
  • المصلى المرواني: يقع تحت الأرض، وكان يُستخدم للصلاة والاعتكاف.
  • مصلى باب الرحمة: مصلى صغير في الجهة الشرقية.

تاريخ المسجد الأقصى

أول بناء للأقصى

لا توجد أدلة تاريخية مؤكدة حول زمن بناء المسجد الأقصى لأول مرة، لكن الأحاديث النبوية تشير إلى أنه ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام بأربعين عامًا. عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة" (رواه البخاري ومسلم).

الروايات حول الباني الأول

  • رواية آدم عليه السلام: بعض المؤرخين يرجحون أن النبي آدم عليه السلام هو الذي وضع أساس المسجد الأقصى بعد أن بنى الكعبة، مستندين إلى روايات مثل تلك التي نقلها ابن عباس.
  • الملائكة أو النبي إبراهيم عليه السلام: هناك آراء تشير إلى أن الملائكة أو النبي إبراهيم عليه السلام قاما بتحديد مكانه وإعادة بنائه.
  • نظريات أخرى: يُرجح بعض الباحثين أن النبي شيث أو سام بن نوح عليهما السلام أسهما في البناء.

المسجد الأقصى في عهد اليبوسيين وبني إسرائيل

كان فترة حاسمة في تاريخ القدس والمسجد الأقصى. في البداية، استقر اليبوسيون في فلسطين حوالي عام 3000 ق.م، وهم قبيلة كنعانية قامت ببناء مدينة القدس وأسموها "أور شليم" (مدينة السلام). الجدار الجنوبي في المدينة يعتبر من آثارهم، ويعتقد بعض الباحثين أن بقايا آثارهم ما زالت موجودة في سور المسجد الأقصى.

في تلك الفترة، هاجر النبي إبراهيم إلى القدس، وعمر المسجد الأقصى وصلى فيه، وقد تبعه ابنه إسحق وحفيده يعقوب. بعد اليبوسيين، حكم الفراعنة القدس بين عامي 1550 و1000 ق.م، تلاهم القوم العمالقة الذين استولوا على المدينة. في عام 995 ق.م، تمكن النبي داود من فتح المدينة مع بني إسرائيل، وقام بتوسيعها وإعادة إعمار المسجد الأقصى.

ثم تولى ابنه سليمان عليه السلام الحكم، فقام بتجديد بناء المسجد الأقصى بشكل كبير، وطلب من الله ثلاثة أشياء عند الانتهاء من البناء، منها أن يُكافأ كل من يأتي إلى المسجد بنية الصلاة بخروج ذنوبه. هذا البناء يُعرف في التقليد اليهودي باسم "هيكل سليمان"، وبعد وفاة النبي سليمان، انتهت فترة حكم بني إسرائيل التي استمرت 80 عامًا. 

المسجد الأقصى في عهد الهياكل

بعد وفاة النبي سليمان عليه السلام، انقسمت مملكة بني إسرائيل إلى مملكتين:
  • مملكة إسرائيل: في الشمال.
  • مملكة يهوذا: في الجنوب، وتضمنت القدس.

غزا البابليون مملكة يهوذا بقيادة نبوخذ نصر عام 586 ق.م، ودمروا الهيكل الأول المعروف بـ"هيكل سليمان"، ونفوا اليهود إلى بابل في ما يُعرف بـ"السبي البابلي".

في عام 538 ق.م، تمكن الفرس بقيادة قورش الكبير من هزيمة البابليين، وسمح لليهود بالعودة إلى القدس. بدأ اليهود في بناء الهيكل الثاني عام 516 ق.م خلال حكم الملك الفارسي داريوس الأول.

المسجد الأقصى في عهد الرومان والبيزنطيين:

ي فلسطين شهد العديد من التغيرات السياسية والدينية المهمة. بعد أن احتلّ الإغريق فلسطين تحت قيادة الإسكندر المقدوني في عام 332 ق.م، تولّت الإمبراطورية البطلمية ثم السلوقية السيطرة على المنطقة، قبل أن تخضع بالكامل للإمبراطورية الرومانية.
في هذا العهد، كان الحاكم الشهير هيرودس (حوالي عام 37 ق.م) من أبرز الشخصيات الرومانية التي حكمت القدس، حيث قام بتجديد بناء البيت المقدس، وأقام قلعة كبيرة في باب الخليل، والتي تُعرف اليوم باسم "قلعة داود".

خلال هذه الفترة، تم ذكر النبي عيسى بن مريم في المصادر الإسلامية، وكذلك زكريا وابنه يحيى بن زكريا، الذين بعثهم الله إلى بني إسرائيل في القدس. كان يحيى بن زكريا يعظ الناس داخل المسجد الأقصى، كما ورد في الحديث النبوي الذي يذكر جمعه لبني إسرائيل في المسجد. في ذات الوقت، يعارض الإنجيل في النسخة المسيحية انحراف بني إسرائيل عن عبادة الله داخل المسجد الأقصى.

بعد نحو 300 عام من بعثة النبي عيسى، انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين: الإمبراطورية الغربية في الغرب والإمبراطورية البيزنطية في الشرق، حيث أصبحت القدس تحت حكم الإمبراطورية البيزنطية وتحولت إلى مدينة نصرانية. في تلك الفترة، قام البيزنطيون ببناء كنيسة القيامة، لكن المسجد الأقصى بقي دون تطوير أو إعادة بناء.

في عام 614م، تم احتلال القدس من قبل الفرس، بدعم من اليهود، بعد صراع طويل ضد البيزنطيين. وقد أشار القرآن إلى هذه الحروب في سورة الروم، ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ ٢ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ٣﴾.

تحققت النبوءة حينما استعاد البيزنطيون القدس من الفرس عام 624 م. وخلال هذه الفترة، تحول المسجد الأقصى إلى مكب للنفايات من قبل البيزنطيين، في إشارة إلى انتقامهم من اليهود الذين كانوا يعتبرون الصخرة المشرفة قبلة لهم.

المسجد الأقصى في عهد النبوة:

كانت له مكانة خاصة في عهد النبي ﷺ. فعند هجرته إلى المدينة المنورة عام 1 هـ (622م)، أصبح المسجد الأقصى القبلة الأولى للمسلمين، حيث كانوا يتوجهون إليه في صلاتهم. استمر هذا الأمر لمدة 16 شهرًا تقريبًا، حتى نزل الوحي بتغيير القبلة إلى المسجد الحرام في مكة، كما ورد في قوله تعالى:

﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144].

إضافة إلى ذلك، كان المسجد الأقصى محورًا للحدث العظيم المعروف بالإسراء والمعراج، الذي وقع ليلة 27 رجب، بعد 10 سنوات من بدء الرسالة النبوية. في هذه الليلة، أسري برسول الله ﷺ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، برفقة جبريل عليه السلام، على دابة البراق. عند وصوله إلى المسجد الأقصى، صلى بالنبيين إمامًا، ثم صعد من الصخرة المشرفة إلى السماوات العلا، حيث التقى بالأنبياء وتلقى أوامر الصلاة.

الفتح الإسلامي

عندما تولّى أبو بكر الصديق خلافة المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ بتنفيذ خطط التوسع الإسلامي، ومن أبرزها إرسال جيش أسامة بن زيد الذي كان النبي قد أعدّه قبل وفاته لفتح بلاد الشام ونشر الإسلام. بعد وفاة أبي بكر وتولي عمر بن الخطاب الخلافة، أعاد ترتيب القيادة العسكرية، فعيّن أبا عبيدة بن الجراح قائدًا لجيش الشام خلفًا لخالد بن الوليد.

وصل الجيش الإسلامي بقيادة أبي عبيدة إلى القدس (التي كانت تُعرف آنذاك بـ"إيلياء")، إلا أن المدينة أبدت مقاومة شديدة بسبب تحصين أسوارها واعتصام أهلها بداخلها. حاصرها المسلمون حتى ضعفت قوى المدافعين، مما دفعهم لطلب الصلح. اشترط أهل القدس أن يتسلم مفاتيح المدينة خليفة المسلمين شخصيًا. استجاب عمر بن الخطاب لهذا الطلب وسافر من المدينة المنورة إلى القدس عام 15 هـ (636م). عند وصوله، منح أهلها الأمان وأبرم معهم "العهدة العمرية"، التي تضمن حرياتهم الدينية وحقوقهم.

رافق البطريرك صفرونيوس الخليفة عمر خلال زيارته للمدينة، حيث اصطحبه إلى كنيسة القيامة، ثم إلى موقع المسجد الأقصى، الذي كان حينها مجرد أرض خالية تحيط بالصخرة المشرفة. عندما رأى عمر المكان، تذكر وصف النبي صلى الله عليه وسلم له، وقال: "الله أكبر، هذا المسجد الذي وصفه لنا رسول الله". ثم أمر ببناء مسجد خشبي كمكان للصلاة يتسع لحوالي 1000 مصلٍ، في الموقع الذي يشغله اليوم "الجامع القبلي" جنوب المسجد الأقصى. ظل هذا المسجد على هيئته البسيطة حتى توسعات العصر الأموي في عهد معاوية بن أبي سفيان.

الفترة الأموية

بعد تأسيس الدولة الأموية عام 41 هـ (661م) على يد معاوية بن أبي سفيان، بدأ تجديد المسجد الأقصى بشكل كبير. قام معاوية بتجديد المسجد القبلي الذي بناه عمر بن الخطاب، حيث حوله من بناء خشبي إلى بناء حجري، وأدى ذلك إلى توسيع المسجد ليتسع لحوالي 3000 مصلٍ. ومع مرور الوقت، شهد المسجد الأقصى أوسع عملية تعمير في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (65 هـ / 685م) الذي عمل على بناء قبة الصخرة، وهو المشروع الذي واصل ابنه الوليد بن عبد الملك تطويره حتى عام 96 هـ (715م).

بدأ البناء الأموي بتشييد قبة الصخرة، التي تُعتبر الآن من أهم معالم المسجد الأقصى، وهي قبة ذهبية فوق الصخرة المشرفة التي تقع في قلب المسجد، حيث يُعتقد أن النبي محمد صعد إلى السماء منها خلال معراجه. بالإضافة إلى قبة الصخرة، تم بناء "قبة السلسلة" في منتصف المسجد الأقصى لتكون نموذجًا لما سيُبنى لاحقًا، ولتكون مكانًا للمشرفين على عملية البناء، وكذلك خزانة لجمع الأموال اللازمة لذلك.

التوسعات والصيانة:

تعرض المسجد الأقصى لعدة زلازل مدمرة خلال فترات تاريخية مختلفة. في عام 746م، دمر زلزال المسجد، وبعد أربع سنوات من سقوط الخلافة الأموية، قام الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بتوجيه إصلاحات كبيرة للمسجد في عام 750م، وأعاد تغطية بواباته بالذهب والفضة لتحويلها إلى دينار ودرهم لتمويل الترميم. انتهت هذه الإصلاحات في 771م، لكن الزلزال الثاني عام 774م أدى إلى تدمير معظم ما تم إصلاحه، باستثناء الجزء الجنوبي من المسجد.

ثم في 780م، أمر الخليفة محمد المهدي بإعادة بناء المسجد، حيث تمت زيادات في عرضه وتقليص في طوله. وفي عام 985م، أشار الجغرافي المقدسي إلى أن المسجد الذي تم تجديده كان يتكون من خمسة عشر رواقًا وخمسة عشر بابًا.

لاحقًا، تعرض المسجد لزلزال آخر في 1033م، وفي عهد الخليفة الفاطمي الظاهر، تم إصلاح الأضرار وتجديد المسجد بين عامي 1034 و1036م. تم تقليص عدد الأروقة من خمسة عشر إلى سبعة، وتم بناء الأروقة الأربعة التي ما زالت تُستخدم اليوم كأساس للمسجد. وصف الجغرافي الفارسي ناصر بن خسرو المسجد الأقصى خلال زيارته في عام 1047م بشكل دقيق، مشيرًا إلى الأعمدة الرخامية المزخرفة والتصميم المعماري الرائع.

الحروب الصليبية

في عام 1099م، أثناء الحملة الصليبية الأولى، تمكن الصليبيون من السيطرة على القدس، حيث قاموا بتحويل المسجد الأقصى إلى معبد سليمان. بدلاً من تدميره، استخدموه كقصر ملكي وإسطبل للخيول. في عام 1119م، تم تحويله إلى مقر لفرسان الهيكل، وخلال هذه الفترة أجريت بعض التعديلات الهيكلية على المسجد، مثل توسيع الشرفة الشمالية وإضافة حنية وجدار فاصل. كما تم بناء دير وكنيسة في الموقع، بالإضافة إلى بناء أقبية ومرفقات في الجهة الغربية والشرقية من المسجد.

بعد حصار القدس في 1187م، استطاع القائد صلاح الدين الأيوبي استعادة المدينة من الصليبيين، وقام بتنفيذ إصلاحات وتجديدات في المسجد الأقصى استعدادًا لصلاة الجمعة. تم إزالة المرافق التي وضعها الصليبيون، مثل المراحيض ومخازن الحبوب، وكذلك الأرضيات المغطاة بالسجاد الثمين. كما تم إضافة منبر جديد من العاج والخشب، والذي أضافه صلاح الدين في نوفمبر 1187م.

في فترة حكم السلطان الأيوبي المعظم في 1218م، تم تشييد الرواق الشمالي للمسجد مع ثلاث بوابات. وفي 1345م، أضاف السلطان المملوكي الكامل سيف الدين شعبان إضافات جديدة، مثل بلاطتين وبوابتين على الجانب الشرقي للمسجد.

عند وصول العثمانيين إلى السلطة في 1517م، لم يقوموا بتجديدات كبيرة للمسجد الأقصى نفسه، لكنهم أضافوا بعض الهياكل داخل الحرم الشريف، مثل بناء نافورة قاسم باشا في 1527م، وترميم بركة الرارانج، وبناء قبة النبي في 1538م.

العصر الحديث:

في القرن العشرين، شهد المسجد الأقصى أول تجديد له في عام 1922. إذ قام المجلس الإسلامي الأعلى تحت إشراف أمين الحسيني بتكليف المهندس التركي أحمد كيماليتين بإعادة ترميم المسجد وتطوير معالمه التاريخية. شارك في هذه الإصلاحات مهندسون معماريون بريطانيون، خبراء مصريون، والمسؤولون المحليون. خلال أعمال التجديد بين 1924 و1925، تم تعزيز الأسس الأموية للمسجد، وتحديث الأعمدة الداخلية، إضافة إلى ترميم الأقواس ومنطقة القبة الرئيسية. كذلك تم استبدال الأخشاب في الصحن المركزي بالخرسانة، وإعادة بناء الجدار الجنوبي. وكشفت أعمال الترميم عن فسيفساء تعود إلى العصر الفاطمي ونقوش قديمة على الأقواس الداخلية التي كانت مغطاة بالجبس. كما تم تجديد نوافذ الزجاج المعشق.

بين 1927 و1937، تعرض المسجد الأقصى لأضرار كبيرة بسبب زلازل متتالية، مما استدعى إصلاحات إضافية في عامي 1938 و1942.

حريق المسجد الأقصى:

في 22 أغسطس 1969، وقع حريق كبير في المسجد الأقصى على يد اليهودي الأسترالي المتطرف مايكل دينس روهن. وقد دمر الحريق جزءاً من الجامع القبلي وسقف قسمه الشرقي، إضافة إلى منبر صلاح الدين الذي أمر ببنائه نور الدين زنكي. روهن كان يهدف من الحريق إلى تسريع "المجيء الثاني للمسيح" وفتح الطريق لإعادة بناء الهيكل اليهودي المزعوم على جبل الهيكل. بعد الحادث، عُقدت قمة إسلامية في الرباط بقيادة الملك فيصل، وهو ما ساهم في تشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي (التي أصبحت لاحقاً منظمة التعاون الإسلامي).

المؤامرات والاعتداءات:

في الثمانينيات، سعت جماعات يهودية متطرفة إلى تفجير المسجد الأقصى وقبة الصخرة، معتقدة أن ذلك سيؤدي إلى صحوة روحية في إسرائيل ويحقق حلم بناء الهيكل الثالث. وفي فترة الانتفاضات الفلسطينية، كان المسجد الأقصى مسرحًا للاحتجاجات الدموية من قبل الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي، مثل حادثة 15 يناير 1988 عندما أطلقت القوات الإسرائيلية الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، مما أسفر عن إصابة 40 شخصًا.

هذه الحوادث تشير إلى التوترات المستمرة في المنطقة حول القدس والمقدسات الإسلامية، وتستمر التحديات الكبيرة في حماية المسجد الأقصى.

زيارة شارون وانتفاضة الأقصى:

في 28 سبتمبر 2000، قام أرئيل شارون، رئيس حزب الليكود الإسرائيلي آنذاك، بزيارة المسجد الأقصى برفقة حوالي 1000 حارس مسلح. أثارت هذه الزيارة احتجاجات واسعة بين الفلسطينيين، الذين اعتبروها استفزازًا لحرمة المسجد الأقصى ومحاولة لتعزيز الهيمنة الإسرائيلية على الموقع. اشتبك الفلسطينيون مع الشرطة الإسرائيلية، واندلعت مواجهات شملت إلقاء الحجارة من الحرم القدسي، وردت الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، مما أسفر عن مقتل أربعة فلسطينيين وإصابة حوالي 200 آخرين.

انتفاضة الأقصى:

أدت هذه الأحداث إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية استمرت لخمس سنوات، أُطلق عليها اسم "انتفاضة الأقصى". ويرى بعض المعلقين أن الانتفاضة لم تكن نتيجة الزيارة فقط، بل كانت مخططة مسبقًا، بناءً على تصريحات لاحقة من مسؤولين فلسطينيين، مثل عماد الفالوجي وياسر عرفات، الذين أشاروا إلى أن التخطيط للانتفاضة بدأ قبل أشهر من زيارة شارون، وربما منذ فشل محادثات كامب ديفيد في يوليو 2000.

قيود الاحتلال خلال الانتفاضة:

مع تصاعد الانتفاضة، شددت إسرائيل القيود على دخول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى. فُرضت قيود عمرية على سكان الضفة الغربية، حيث لم يُسمح بالدخول إلا لمن تجاوزوا سن 45 عامًا، وحتى في المناسبات الإسلامية الكبرى مثل رمضان. بالنسبة لسكان قطاع غزة، كانت القيود أشد، إذ سُمح فقط لعدد قليل من كبار السن (أكثر من 50 عامًا) بالدخول بتصاريح خاصة.

تلك الأحداث كانت بداية فصل جديد من الصراع على المسجد الأقصى، وأدت إلى استمرار التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشأن حقوق الوصول والسيادة على المقدسات الإسلامية في القدس.

قرار اليونيسكو سنة 2016

في 14 أكتوبر 2016، أصدر المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو عبر لجنة البرامج والعلاقات الخارجية قرارًا يؤكد اعتبار المسجد الأقصى موقعًا مقدسًا خاصًا بالمسلمين، دون الإشارة إلى أي ارتباط تاريخي لليهود به. كما أدان القرار الاقتحامات المتكررة للمسجد من قِبل الجيش الإسرائيلي ومستوطنيه.

أسباب القرار:

تم تقديم مشروع القرار من قبل دول عربية وإسلامية هي الجزائر، مصر، لبنان، المغرب، عُمان، قطر، والسودان، بهدف تثبيت الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية.

ردود الأفعال:

  1. الترحيب العربي والإسلامي:
    • أشادت منظمة التعاون الإسلامي، والجامع الأزهر، وهيئة علماء المسلمين في العراق، بجانب الحكومة والفصائل الفلسطينية، بالقرار باعتباره دعمًا للحق الفلسطيني واعترافًا دوليًا بأهمية المسجد الأقصى كأحد المقدسات الإسلامية.
  2. الرفض الإسرائيلي:
    • اعتبرت إسرائيل القرار تجاهلًا لتاريخ اليهود في القدس، وبدأت جهودًا دبلوماسية لتعديل نص القرار.

الأهمية الدولية:

يرى محللون أن هذا القرار يمثل اعترافًا دوليًا بمكانة القدس الشرقية كمنطقة محتلة، ويدعم الموقف الفلسطيني في مواجهة محاولات التهويد، ويضغط على إسرائيل للتفاوض بشأن وضع المدينة.

منع الصلاة في المسجد سنة 2017

في 14 يوليو 2017م (20 شوال 1438هـ)، أغلقت السلطات الإسرائيلية أبواب المسجد الأقصى وأعلنت البلدة القديمة منطقة عسكرية، إثر عملية إطلاق نار عند باب الأسباط أدت إلى استشهاد ثلاثة شبان فلسطينيين ومقتل ثلاثة من الشرطة الإسرائيلية. كان هذا الإغلاق الأول للمسجد أمام المصلين منذ عام 1969م. ورداً على ذلك، دعا المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين المصلين إلى التواجد عند المسجد الأقصى وإقامة صلاة الجمعة. وفي المقابل، أطلقت منظمات إسرائيلية حملات للتحريض على المسجد، دعت فيها إلى فرض السيادة الإسرائيلية عليه.

في 16 يوليو 2017م، نصبت السلطات الإسرائيلية بوابات تفتيش إلكترونية وكاميرات مراقبة عند أبواب المسجد لتعزيز إجراءاتها الأمنية. رفض المقدسيون هذه الإجراءات، وقرروا الامتناع عن دخول المسجد عبر تلك البوابات، حيث أقاموا اعتصاماً أمام باب الأسباط وواصلوا الصلاة في الخارج. هذه الخطوة أثارت غضب الفلسطينيين، الذين اعتبروها محاولة لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى.

تصاعدت الاحتجاجات واستمر الاعتصام حتى 27 يوليو 2017م (4 ذي القعدة 1438هـ)، حينما أزالت الشرطة الإسرائيلية البوابات الإلكترونية وأعادت الوضع إلى ما كان عليه قبل الحادثة. قوبل القرار باحتفالات واسعة في القدس وأداء الصلاة داخل المسجد بعد أيام من المنع.

لاحقاً، كشف رئيس مركز القدس الدولي، حسن خاطر، أن السلطات الإسرائيلية استولت على وثائق مهمة تخص أملاك وأوقاف القدس أثناء فترة الإغلاق. شكلت دائرة الأوقاف لجنة لحصر المفقودات واتخاذ إجراءات لحماية الممتلكات الإسلامية، التي تشكل نحو 90% من البلدة القديمة.

قدسية المسجد الأقصى عند المسلمين

كان الأقصى قبلة المسلمين الأولى ثم أمر الله النبي بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ١٤٤ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ١٤٥سورة البقرة، 144، 145

فإن للمسجد الأقصى مكانة عظيمة في العقيدة الإسلامية، وقد وردت فضائله في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، مما يعكس أهميته الدينية الكبيرة:

  1. في القرآن الكريم: ذكر المسجد الأقصى في سورة الإسراء:

    • "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير" (الإسراء: 1).
      يشير النص القرآني إلى أن الأقصى مكان مبارك وأنه كان مسرحًا للرحلة المباركة التي تجمع بين الأرض والسماء.
  2. في السنة النبوية:

    • عن النبي محمد ﷺ أنه قال:
      "لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: مسجدِ الحرام، ومسجدِ الأقصَى، ومسجدي هذا" (رواه البخاري ومسلم).
      يشير الحديث إلى مكانة المسجد الأقصى بين المساجد الثلاثة التي يُشرع السفر إليها.
    • عن أم سلمة رضي الله عنها، قال النبي ﷺ:
      "منْ أَهَلَّ بِحَجَّة أوْ عُمْرَة من المسجد الأقصى إِلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" (سنن أبي داود).
      يبرز الحديث فضل البدء بالحج أو العمرة من المسجد الأقصى.
    • عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال النبي ﷺ:
      "صلاةٌ في المسجدِ الحرامِ مائةُ ألفِ صلاةٍ، وصلاةٌ في مسجدِي ألفُ صلاةٍ، وفي بيتِ المقدسِ خمسمائةِ صلاةٍ" (رواه الطبراني).
      يوضح الحديث قيمة الصلاة في المسجد الأقصى مقارنة بالمساجد الأخرى.
  3. قدسيته في التاريخ الإسلامي:

    • المسجد الأقصى كان القبلة الأولى التي صلى إليها النبي محمد ﷺ والمسلمون لمدة 16 شهرًا قبل تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة في مكة.
    • شهد ليلة الإسراء والمعراج، حيث صلى النبي محمد إمامًا بالأنبياء فيه قبل عروجه إلى السماوات العلا.

الخلاصة: يعتبر المسجد الأقصى من أبرز معالم الإسلام، مرتبطًا بعبادة المسلمين ووجدانهم منذ بداية الدعوة الإسلامية، ومذكورًا في القرآن الكريم والسنة النبوية بما يعكس فضله ومكانته الفريدة.

الوثائق والمصادر

يعد المسجد الأقصى رمزًا للإرث الحضاري والديني الإسلامي. وللاطلاع على مزيد من التفاصيل الموثقة، يمكن الرجوع إلى المصادر مثل موقع إسلام ويب وموقع إدارة أوقاف القدس ومصادر أخرى متخصصة في التاريخ الإسلامي​



ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.