Header Ads

Header ADS

الجامع الأموي الكبير


يُعد الجامع الأموي في دمشق، المعروف أيضًا بالجامع الكبير، أحد أروع الشواهد على فن العمارة الإسلامية في العصر الأموي، ويمثل مزيجًا مدهشًا من التأثيرات الرومانية والبيزنطية والإسلامية. يقع الجامع في قلب مدينة دمشق القديمة، وهو ليس مجرد مكان للعبادة، بل رمز تاريخي وثقافي يروي قصة قرون من الحضارة الإسلامية.

التاريخ

ما قبل الإسلام

كان موقع الجامع الأموي في الأصل معبدًا مخصصًا للإله جوبيتر في العهد الروماني. ومع انتشار المسيحية، تحول المعبد إلى كنيسة بيزنطية باسم القديس يوحنا المعمدان. وظل الموقع يستخدم كمركز ديني حتى الفتح الإسلامي.

الفتح الإسلامي وتأسيس المسجد

مع دخول الإسلام إلى دمشق في عام 636 ميلاديًا، تم تحويل اجزء من الكنيسة إلى مسجد، بينما بقي الجزء الآخر مكانًا للعبادة المسيحيةل. وفي عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك تم شراء الجزء المسيحي من الكنيسة وتحويل الموقع بالكامل إلى مسجد.ثم بدأ مشروع بناء الجامع الأموي الكبير بين عامي 706 و715 ميلاديًا. جمع المشروع بين الحرفيين من مختلف الثقافات، مما أضفى عليه طابعًا معماريًا فريدًا، وقد بلغت تكلفة البناء آنذاك حوالي 11 مليون دينار ذهبي.
قام المهندسون بإبداع تصميم فريد يمزج بين العمارة الإسلامية والرومانية والبيزنطية، استخدمت فيه مواد محلية، وزُينت جدرانه بفسيفساء رائعة تصور مشاهد طبيعية ونهر بردى. وأضيفت مآذن، وقبة النسر الشهيرة، التي أصبحت من أبرز معالم المسجد.

عصر السلاجقة والأيوبيين

شهد الجامع العديد من الإضافات والإصلاحات خلال عهدي السلاجقة والأيوبيين. ركزت التعديلات على تحسين البنية التحتية وتزيين الجامع بزخارف إضافية تعكس الطابع الفني لتلك العصور.

عصر المماليك

تعرض الجامع لعدة زلازل وحرائق في عصر المماليك، مما استدعى إصلاحات كبيرة. أضيفت مآذن جديدة وتم تجديد الفسيفساء في أجزاء من الجامع.

الدولة العثمانية

في عهد الدولة العثمانية، حظي الجامع بعناية كبيرة. أُضيفت الترميمات والزخارف، وتم تحديث الأجزاء الداخلية والخارجية ليواكب الجامع الطراز المعماري العثماني. كما أضيفت المئذنة الشرقية (مئذنة قايتباي).
وقد تعرض المسجد لعدة كوارث طبيعية، منها زلزال عام 1759 وحريق عام 1893، مما استدعى ترميمات متكررة.

العهد الحديث والدولة السورية

مع استقلال سوريا، أصبح الجامع رمزًا وطنيًا وثقافيًا. خضع لعمليات ترميم واسعة بإشراف وزارة الأوقاف والمديرية العامة للمتاحف. وفي عام 1979، أُدرجت مدينة دمشق القديمة، بما فيها الجامع الأموي، ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.


الهندسة المعمارية

تخطيط المسجد الأموي الكبير هو أحد أبرز الأمثلة على العبقرية الهندسية التي امتزجت فيها التقاليد المعمارية القديمة مع الابتكارات الإسلامية. يتميز التخطيط بتناغمه الوظيفي والجمالي، الذي يعكس فلسفة العمارة الإسلامية في تنظيم المساحات لتحقيق الراحة والجمال معًا.
كما استخدم الأمويون موادًا محلية في البناء، مثل:
  • الرخام: للأعمدة والأرضيات.
  • الخشب: للأسقف والأبواب.
  • الفسيفساء والزجاج الملون: لتزيين الجدران.
يتخذ المسجد الأموي  شكلاً مستطيلاً، أبعاده 156 متر طولاً و97 متر عرضاً، يتألف من صحن واسع مكشوف يشغل الجزء الشمالي تحيط به أروقة إضافة إلى قاعة للصلاة هي حرم الجامع في الجانب الجنوبي (اتجاه القبلة).

صحن الجامع

يشكل الفناء المفتوح أو الصحن قلب الجامع، يحيط به أربعة جدران خارجية وقد خضع لترميمات عديدة. يعتمد تصميم الأروقة المحيطة على أعمدة حجرية وأرصفة متناوبة، لكن زلزال عام 1759 تسبب في تدمير الجزء الشمالي وعدم انتظام الممرات. ويحتوي الفناء على عمودين برؤوس نحاسية للإضاءة، إضافة إلى ثلاث منشآت رئيسية:

  1. قبة الخزنة: شُيدت عام 789م في العهد العباسي، وكانت خزانة للأموال ثم مكتبة. 
  2. قبة الوضوء: أُعيد بناؤها في العهد العثماني بعد انهيارها بسبب زلزال، وهي مثمنة الشكل ومزودة بأنبوب ماء.
  3. قبة الساعات: أُنشئت في العهد العثماني كمركز للتوقيت.

حرم الجامع

الحرم هو القاعة الرئيسية للصلاة، تتألف مساحته الداخلية من ثلاثة أروقة موازية لاتجاه القبلة نحو مكة. تستند هذه الأروقة إلى صفين من الأعمدة الكورنثية، وينقسم كل رواق إلى مستويين: الأقواس النصف دائرية الكبيرة في المستوى الأول، والأقواس المزدوجة في المستوى الثاني، وهي ميزة تتكرر أيضاً في أروقة الفناء. يتقاطع الحرم في وسطه مع رواق واسع موازٍ لجدار القبلة ويواجه المحراب والمنبر. هذا الرواق المركزي ينقسم إلى نصفين ويضم أحد عشر قوساً. تبلغ أبعاد الحرم 136 متر طولاً و37 متر عرضاً.
كما يوجد أربعة محاريب على خط جدار الحرم، أبرزها: محراب الصحابة الكبير في منتصف الجدار، ومحراب المالكية (الأقدم)، إضافة إلى محاريب الخطيب، الحنفية، والحنابلة.

واجهة الحرم

واجهة الحرم في المسجد الأموي هي إحدى أبرز معالمه المعمارية، تقع في الجهة الجنوبية وتطل على الفناء الكبير. تضم 25 بابًا خشبيًا تؤدي مباشرة إلى الحرم.


في عهد الوليد بن عبد الملك، كانت الواجهة تعتمد على تناوب العضائد والأعمدة. بعد الحريق الذي دمرها في عام 1067، أُعيد بناؤها بدون أعمدة واستُبدلت بعض العناصر بكتل معمارية جديدة. الكتلة المركزية للواجهة تحتوي على ثلاثة أبواب كبيرة بقناطر نصف دائرية، تحيط بها برجين صغيرين يزين قمتهما قبتان من الرصاص مع ثلاث تفاحات وهلال نحاسي.

الواجهة كانت مغطاة بالفسيفساء في العهد الأموي، مستوحاة من الفن البيزنطي، وتعرضت لضرر بسبب الحرائق والزلازل. في الستينات من القرن العشرين، خضعت لعمليات ترميم باستخدام أسلوب أموي أصيل لإعادة إحياء الزخارف الفسيفسائية.

الأبواب

يحتوي الجامع على 25 بابًا خشبيًا، وتتميز بزخارفها الرائعة التي تعكس الفن الأموي.وأبرزها:
  1. باب البريد (الشمالي): يطل على الأسواق التقليدية المحيطة.
  2. باب العمارة (الجنوبي): مدخل باتجاه القبلة.
  3. باب النوفرة (الشرقي): يتميز بالقرب من نافورة مائية تاريخية.
  4. باب الفراديس (الغربي): يؤدي إلى المنطقة الغربية المحيطة.

قبة النسر

هي إحدى أبرز معالم المسجد الأموي، شيدها الوليد بن عبد الملك وتعد أكبر قبة في المسجد. تم تجديدها في عام 1075 في عهد نظام الملك وزير ملك شاه السلجوقي، كما جددها صلاح الدين الأيوبي في عام 1179. بعد الحريق الذي اندلع عام 1893، استُبدلت القبة الخشبية الأصلية بقبة حجرية.

تقع القبة فوق مركز قاعة الصلاة بارتفاع 45 مترًا وقطر 16 مترًا، وترتكز على طبقة تحتية مثمنة الشكل مزودة بنوافذ مقوسة على الجانبين، ودُعِمت بأعمدة الممرات الداخلية المركزية.

أما تسميتها بقبة النسر فيعود إلى تشبيهها بنسر طائر، حيث القبة تمثل رأسه والغارب جؤجؤه، وجناحا النسر هما نصفا الجدار البلاط عن اليمين والشمال.


المآذن

  • مئذنة العروس: أقدم مآذن الجامع وتقع في الزاوية الشمالية الشرقية.

  • مئذنة قايتباي (الغربية): بناها السلطان المملوكي قايتباي عام 1488 ميلادي. وتتميز بتصميمها المزخرف 

  • مئذنة عيسى: تقع في الجهة الجنوبية الشرقية، وتُعد من أبرز المعالم، حيث يُعتقد أن النبي عيسى عليه السلام سينزل عندها.

المشاهد

المشاهد هي عبارة عن صالات واسعة ضمن المسجد الأموي، وقد اختلفت وظيفتها باختلاف الزمن، وهي تقع على يمين ويسار البابين الشرقي والغربي:
  • مشهد أبي بكر: يقع في الجهة الجنوبية الشرقية ويُستخدم كمتحف.

  • مشهد عمر: يقع في الجهة الجنوبية الغربية ويُستخدم كمقر لإدارة المسجد.

  • مشهد عثمان: يقع في الجهة الشمالية الغربية ويُستخدم كقاعة شرف.

  • مشهد علي والحسين: يحتوي على مزار ومقام رأس الإمام الحسين.

البئر

يقع بئر الجامع في الحرم الشريف، ويُعتبر من أقدم منشآته. أضاف الخليفة الوليد عمودين نفيسين إلى البئر خلال التوسعات التي أجريت على الجامع.

مكانة الجامع الأموي ودوره:

مكانة المسجد الأموي ودوره في الحضارة الإسلامية تبرز بوضوح من خلال تاريخه الطويل وأدواره المتعددة التي شملت الجوانب الدينية، الثقافية، السياسية، والعلمية. يعتبر المسجد الأموي في دمشق واحدًا من أعرق وأهم المساجد في العالم الإسلامي، وله مكانة خاصة في تاريخ الأمة الإسلامية.ويمكن تلخيص مكانته ووظيفته كما يلي:

المكانة الدينية

  • أحد أعظم المساجد في العالم الإسلامي: يعتبر المسجد الأموي أحد أقدم وأكبر المساجد التي تم بناؤها في العالم الإسلامي. شُيد في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عام 705م، وكان من أهم رموز الإسلام في الشام. يمثل المسجد مركزًا لعبادة الله، حيث يُؤدى فيه الصلوات الخمس بالإضافة إلى العديد من الأنشطة الدينية الأخرى مثل الدروس والمحاضرات.
  • مكان للعبادة والتوجيه الروحي: كان المسجد مركزًا أساسيًا في حياة المسلمين اليومية، حيث يجتمع الناس فيه للعبادة والتوجيه الروحي. وكان يشكل مركزًا لإحياء الشعائر الدينية وتقديم الخطب والمواعظ، وكذلك مكانًا لصلاة الجمعة التي كانت تُعد بمثابة مناسبة اجتماعية ودينية هامة.

المكانة الثقافية والعلمية

  • مركز علمي وثقافي: كان المسجد الأموي مركزًا هامًا للتعليم في مختلف العلوم الإسلامية مثل الفقه، الحديث، التفسير، واللغة العربية. استضاف العديد من العلماء المشهورين مثل الإمام الشافعي، الزهري، وغيرهم. كما كانت تُعقد فيه حلقات العلم والمحاضرات التي أسهمت في تطور الفكر الإسلامي. وقد أقيمت العديد من المدارس في أنحاء المسجد لتعليم الفقه والحديث وغيرها من العلوم، ومن أبرز هذه المدارس:
    1. المدرسة الغزالية: مخصصة للفقه الشافعي، وتنسب للإمام الغزالي وتقع في مشهد عثمان بن عفان.
    2. المدرسة المنجائية: مخصصة للحنابلة وتنسب لابن منجا.
    3. المدرسة القوصية: تنسب للشيخ القوصي.
    4. زاوية المالكية: تقع في الجانب الغربي وُقفت لطلبة العلم المغاربة.
    5. دار الحديث الفاضلية: تنسب للقاضي الفاضل العسقلاني وتقع في الكلاسة، وخصصت لحلقات الحديث.
    6. دار الحديث العروية: تقع في مشهد علي بن أبي طالب وتنسب لشرف الدين محمد بن عروة الموصلي.
    7. المدرسة التاجية: تقع غربي دار العروسة.
    8. المدرسة الصلاحية: مخصصة للفقه الشافعي.
  • مكتبة للمعرفة الإسلامية: في مراحل مختلفة من تاريخه، أصبح المسجد مركزًا للحفاظ على الكتب والمخطوطات العلمية والدينية. فهو يحتوي على مكتبة تضم مخطوطات نادرة، من أبرزها مصحف عثمان بن عفان.وقد كان يتم تداول الكتب والمخطوطات في المسجد، مما جعله نقطة انطلاق لنقل وتبادل المعرفة بين علماء الأمة الإسلامية.

المكانة السياسية والإدارية

  • مركز السلطة الأمويّة: كان المسجد الأموي مركزًا سياسيًا هامًا خلال فترة حكم الأمويين. كان الخليفة الأموي وأعضاء حكومته يتخذون المسجد مكانًا لعقد الاجتماعات الرسمية والمناقشات السياسية. كانت الخطب التي تُلقى في المسجد تساهم في توجيه الشعب وتوضيح السياسات العامة للدولة.
  • مكان للإعلانات العامة: في فترات الخلافة الأموية، كان المسجد يُستخدم لإعلان المراسيم والمناسبات الرسمية. كما كان يُشرف على توزيع الأموال والمساعدات العامة.

المكانة المعمارية والفنية

  • رمز للفن المعماري الإسلامي: يتمتع المسجد الأموي بتصميم معماري فريد جمع بين العناصر البيزنطية والفارسية والطراز الإسلامي، مما جعله نموذجًا معماريًا يحتذى به في بناء المساجد الكبرى في العالم الإسلامي. الفسيفساء التي كانت تزين جدرانه تمثل جانبًا من إبداع الفن الإسلامي في تلك الفترة.
  • مصدر إلهام معماري: تمثل قبة المسجد الأموي، الأروقة، والنوافذ، والزخارف في هذا المسجد معالم معمارية تعكس تطور الفن الإسلامي في العصور المبكرة، مما جعل المسجد مرجعًا للبناء والتصميم في المساجد التالية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

المكانة الاجتماعية

  • مركز للتجمعات الاجتماعية: كان المسجد الأموي يشكل مكانًا أساسيًا للتجمعات الاجتماعية والدينية، حيث يلتقي الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية لممارسة العبادة والمشاركة في الأنشطة الجماعية. كان المسجد يشكل نقطة اتصال بين مختلف شرائح المجتمع الإسلامي، ويجمع المسلمين على اختلاف خلفياتهم الثقافية والاجتماعية.
  • ملتقى للزوار من أنحاء العالم الإسلامي: نظرًا لمكانته العظمى في العالم الإسلامي، كان المسجد الأموي يستقطب الزوار من مختلف البلدان الإسلامية، سواء كانوا حجاجًا أو طلبة علم أو حتى سفراء ووفود من مناطق مختلفة.

المصادر والمراجع:

  1. كتاب "العمارة الإسلامية".

  2. تقارير منظمة اليونسكو.

  3. مواقع تاريخية مثل "Discover Islamic Art".

  4. وزارة الأوقاف السورية.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.