Header Ads

Header ADS

أحمد الهيبة: قائد المقاومة المغربية في الجنوب الغربي

 أحمد الهيبة: قائد المقاومة المغربية في مواجهة الاستعمار الفرنسي



المغرب عشية فرض الحماية الفرنسية (1912)

مع بداية القرن العشرين، كان المغرب يعاني من اضطرابات داخلية وضعف في السلطة المركزية، مما جعله هدفًا للتدخلات الاستعمارية الأوروبية. تنافست فرنسا وإسبانيا على بسط نفوذهما في المنطقة، مما أدى إلى توقيع معاهدة فاس في 30 مارس 1912، التي جعلت المغرب تحت الحماية الفرنسية، مع منح إسبانيا السيطرة على بعض الأقاليم الشمالية والجنوبية.

كانت المعاهدة صادمة للقبائل المغربية، التي رأت فيها خيانةً لسيادة البلاد، فاندلعت عدة ثورات ضد الاحتلال، كان من أبرزها حركة المقاومة بقيادة أحمد الهيبة بن ماء العينين.

نشأة أحمد الهيبة ومسيرته المبكرة

وُلد أحمد الهيبة عام 1877 في مدينة "أزوكي" بـ"أدرار" (موريتانيا الحالية)، ونشأ في بيت علم وجهاد، حيث كان والده الشيخ ماء العينين من أبرز الشخصيات الدينية والسياسية في المغرب والصحراء. تلقى أحمد الهيبة تعليمه في الفقه والتصوف والجهاد، مما أهله لقيادة المقاومة ضد الاستعمار.

عُرف في المغرب باسم "السلطان الأزرق" بسبب لباسه الصحراوي التقليدي الأزرق. وكان والده يُجلّه ويصطحبه في أسفاره، ويكلفه بمهام لدى السلاطين وغيرهم، وكأنه كان يُعدّه لمهمة كبرى في المستقبل. بعد وفاة والده عام 1910، تولى خلافته بإجماع من أبناء الشيخ وأقاربه وتلامذته، ثم اجتمع عليه أهل سوس من أجل مقاومة الاستعمار الفرنسي سنة 1912.

دخول أحمد الهيبة إلى مراكش وإعلان الجهاد (1912)

استغل الهيبة تنحي السلطان مولاي عبد الحفيظ العلوي عن حكم المغرب بعدما كان قد وقع مع الفرنسيين اتفاقية خضوع البلاد للحماية الفرنسية.

قاد أحمد الهيبة، مباشرة بعد ذلك، جيشًا إلى مراكش يوم الإثنين 18 أغسطس سنة 1912، حيث استقبله الناس بالبارود والزغاريد، فرحًا بمقدمه واستبشارًا برفعه لواء مقاومة الاستعمار. ويذكر محمد المختار السوسي في كتابه "المعسول" قصة دخول الهيبة إلى مراكش، قائلاً إن الأمر أخاف الفرنسيين:

جريدة فرنسية صدرت في وقت دخول الهيبة إلى مراكش

"نزل الهيبة بمراكش، وقد ضاق الأمر بالقنصل الفرنسي، وغشي الغوغاء على الأجانب، فأرسل إلى جميع الأجانب بأن يغادروا المدينة، إلا ألمانيا واحدًا وفرنسيين وطبيبًا لهم وترجمانًا".

المواجهة مع فرنسا: معركة سيدي بوعثمان (6 سبتمبر 1912)

رفضت فرنسا الاعتراف بالهيبة سلطانًا على المغرب، وأعلنت الحرب عليه بعد أن يئست من استمالته للخضوع لها. خاض الهيبة معارك كثيرة ضد الجيوش الفرنسية، لكن أشهرها على الإطلاق كانت ثلاث معارك:

  1. معركة أربعاء الصخور (16 أغسطس 1912)

  2. معركة بئر أوهام (22 أغسطس 1912)

  3. معركة سيدي بوعثمان (6 سبتمبر 1912) – التي خسرها في النهاية.

كانت معركة سيدي بوعثمان فاصلة، حيث استخدمت القوات الفرنسية بقيادة الجنرال شارل مانجان المدافع الثقيلة والرشاشات الحديثة ضد مقاتلي الهيبة الذين كانوا يعتمدون على الأسلحة التقليدية. ورغم بسالة المقاومين، إلا أن التفوق العسكري الفرنسي كان حاسمًا، مما أدى إلى هزيمة قوات أحمد الهيبة.

يذكر محمد المختار السوسي في "المعسول" أن الهيبة كان قائدًا روحيًا وعسكريًا متميزًا، لكنه واجه تحديات كبيرة، منها ضعف التمويل وقلة الذخيرة، إلى جانب استخدام الفرنسيين لأسلحة حديثة لم يكن للمغاربة قدرة على مواجهتها بنفس الكفاءة.

ويذكر أن  مماساهمت في الهزيمة كان الخيانة من بعض زعماء القبائل الذين تراجعوا عن القتال في اللحظات الحاسمة. فقد أرسل الفرنسيون وعودًا لبعض القبائل بالامتيازات والحماية، مما دفع بعضهم إلى الانسحاب من ساحة المعركة، تاركين الهيبة يواجه القوات الفرنسية بجيش منهك وضعيف.

ويورد محمد المختار السوسي في "المعسول": "لما رأى بعض القوم أن الجيش الفرنسي كان متفوقًا في العدة والعتاد، دبت الوساوس في نفوسهم، فتسلل بعضهم من الميدان خفية، مما جعل كفة الفرنسيين ترجح بسرعة"

الانسحاب إلى الجنوب واستمرار المقاومة

بعد الهزيمة في سيدي بوعثمان، انسحب أحمد الهيبة إلى الصحراء وسوس، حيث واصل المقاومة بأسلوب حرب العصابات. خاض عدة معارك ضد الفرنسيين في جبال الأطلس والصحراء، لكنه واجه صعوبة في الاحتفاظ بجيشه بعد تراجع الدعم العسكري واللوجستي.

نهاية الثائر

يذكر المؤرخ عباس بن إبراهيم التعارجي المراكشي في مخطوط "تاريخ ثورة أحمد الهيبة":

"زحف الشيخ الهيبة بمقاتليه نحو مراكش، ونودي سلطانًا على المغرب في 17 أغسطس 1912، فأرسلت فرنسا جيشًا إلى الشيخ الهيبة وكان النصر إلى جانبه. ثم أرسلت فرنسا جيشًا ضخمًا آخر، فهُزم للمرة الثانية في معركة سيدي بوعثمان سنة 1916، وفر من مراكش، لكنه واصل مقاومته إلى أن توفي بسبب المرض سنة 1919".

يذكر كتاب "المقاومة المغربية ضد الاستعمار.. الجذور والتجليات"، الصادر عن جامعة أكادير للآداب والعلوم الإنسانية، تفاصيل نهاية الهيبة:

"استقر الهيبة في كردوس، وقد غادره بعض رجاله، ومنهم القائد أرتما، والقائد الناجم الذي استقر في إفران، وبقي الشيخ الهيبة في كردوس إلى وفاته سنة 1377هـ/1919م، وهو في الخامسة والأربعين من العمر، وقد استمرت حركته سبع سنوات وأربعة أشهر. والذي لا شك فيه أن حركته كان لها الفضل في تأخير احتلال الأطلس الصغير لمدة طويلة".

الخاتمة: أحمد الهيبة رمز المقاومة المغربية

يُعد أحمد الهيبة من أبرز القادة الذين واجهوا الاحتلال الفرنسي في المغرب، فقد كان أول من قاد حركة جهادية منظمة ضد الحماية الفرنسية، مما جعله رمزًا من رموز المقاومة الوطنية.

ورغم هزيمته في سيدي بوعثمان، إلا أن حركته كانت بداية لسلسلة من الثورات التي انتهت باستقلال المغرب عام 1956. واليوم، لا يزال اسمه محفورًا في ذاكرة المغاربة كمجاهد دافع عن وطنه ضد الاستعمار.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.